قبل احتضان الكفن

بسم الله الرحمن الرحيمــ


في زمن الطفولة

كنت طفلة نحيلة

كنت طفلة جميلة

كنت رقة الزهر وعطر الورد

وندىً يرطب الخميلة ..



كان لي أب طويل ..

هامته تعانق النخيل

وقلبه كبير كبير .. ما أعذب احتضانه لي وتقبيله

كان لي أم .. بحر من الأمان .. والحب والحنان

أنا لها الحلم والحب

و الأماني الجميلة

أمي كانت إمرأةً شاهقة .. قوية

رغم كونها نحيلة

مثلها أنا .. فتاتها النحيلة ..



في ربيع العمر حلمت أن أكون طبيبة

حلمت أن أكون معلمة ..

حلمت أن أكون عالمة فقه جليلة

حلمت أن أكون مبدعة الريشة والألوان

ترسم الفرح راقصاً على الأفنية والجدران

تنشر عبير السعادة على شفاه الطفولة ..

حلمت أن أنثر الحب على سماء الوعود الجميلة

وأن أهدي القلوب المثخنة بالجراح

دماءً جديدة ..

حلمت أن أهدي السماء زرقةً جديدة

وأن أمنح الدموع كبرياء عنيدة

حلمت أن أكون ربة الدعوة للسلام والفضيلة




حلمت وحلمت ..

لأجل أبي وأمي حلمت أن أكون .. وأن أكون ...

كان أبي معي وكانت معي أمي

وقلبي الصغير يدندن للسعادة والأمنيات

وأحلام تكبر مع الأوقات .

والقلم والكتاب والكراس ..

رفاق دربي .. وأحلامي تسير أمامي متباعدة الخطوات




وجاء ذات يوم ..

البرد فيه قارس يرتعد منه قلبي و جسمي

لا أبي يشعر بي ولا حتى أمي

كان أبي مسجى ..

مغمض العينين .. تعلو وجهه إبتسامة ورضا

أناديه فلا يجبني .

قلبي يبكي بحرقة وأبي ليس كسابق عهده ..

أبي لا يحضنني ..




غسلت بيديّ أمي

غسلتها بدمعي قبل غسل الماء والحنوط ..

وجهها الطاهر يشع بالنور ..

جدلت شعرها .. قبلتها .. ودعتها

ودعوت ربي لها ..

قلبي يئن بحرقة محتضناً قلبها .. ووجهها ..

قبل احتضان الكفن

حملوها على الأكتاف ..

مهرولين معجلين الدفن ..

و مات الحلم .. و دفنت الأمنيات

وتساوى في عيني جور الجدب وجود المزن



منــــ قــــ ولــة