الأب قدوة لأولاده
الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونـذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْــد:
فلا يزال الحديث متصلاً مع الآباء، مع هؤلاء الذين حملهم الله مسئولية تربية النشء، وقيادة الجيل، وهداية هؤلاء الشبيبة بعد هداية الله عز وجل.
ومن الأمور التي يؤكد عليها، وهي في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم:
أن يكون الأب قدوة لابنه:
وما فشل كثير من الآباء في تربية أبنائهم, إلا يوم ربوهم بالقول, وتركوا الفعل والعمل، قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2].
يريد الأب من ابنه أن يكون صادقاً بالقول, وهو فاجر كاذب, يتعدى حدود الله في القول، ويريد من ابنه أن يكون مصلياً محافظاً على الصلوات الخمس في الجماعة, وهو لا يعرف المسجد أبداً، فكيف يهتدي؟! كيف يكون الابن أميناً وأبوه خائن؟! والابن مُتَّقٍ وأبوه فاجر؟! إن الابن في مرحلة الشبيبة يقلد تقليداً تاماً.
فمن الهدي والخير والسداد والمصلحة - يا عباد الله - أن نكون قدوة لأبنائنا في البيوت، نأمرهم بالخير ونأتيه، وننهاهم عن المنكر ونجتنبه؛ ليصلح الله لنا الظاهر والباطن، فإنه إذا أصلح أصلح.
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوهُ
يا أيها الرجل المعلم غيره هلَّا لنفسك كان ذا التعليمُ
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ
......
أثر التعليم النافع
والمسألة الثانية التي يجدر الإشارة إليها: التعليم:
تعليم الأبناء تعليماً شرعياً، يعتمد على الكتاب والسنة، لا تعليماً ثقافياً ساذجاً؛ فتحشى به أذهانهم حتى تكون مثل سلة المهملات.
علمٌ لا يقوده إلى المسجد، ولا يحبب إليه طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقوده إلى الخير، ولا يجنبه المعاصي والمزالق ليس بعلم.
نحن نختلف تماماً عن أمم الأرض التي لا تدين بالإسلام؛ فعلمنا من فوق سبع سماوات، وعلمهم من الطين والتراب، قال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].
فهذا الابن لا بد أن تسكب في قلبه العلم؛ وأعظم العلم أن تحفظه كتاب الله عز وجل من يوم يبدأ في السادسة, أو في السابعة وتلقنه السور العظيمة والآيات الكريمة، وتدخل كتاب الله في قلبه، ليستدرج النبوة بين جنبيه؛ غير أنه لا يوحى إليه؛ ليكون شافعاً له، لتنور صدره، لتزيل همومه وغمومه وأحزانه وكربه بالقرآن, لتجعله راضياً مرضياً, سعيداً في الدنيا والآخرة.
فالله الله! في تحفيظ أبنائنا كتاب الله.
أثر التعليم السيء
ويوم أتت بعض الأسس التربوية من الغرب، وقالت: هذا ليس بسِنِّ حفظ، وإنما يُحفَّظ معلومات ونماذج من كتيبات، وعندها تركنا القرآن وحفظ القرآن، أخفق الأبناء، فما نجحوا في هذه العلوم, ولا في هذه العلوم. وأصبحوا مذبذبين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فالعلم النافع الذي يعتمد على: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأؤكد مبدأً أصيلاً, أن أي داعية, أو أي مصلح يهون من شأن العلم ومن شأن التحصيل العلمي بحجة الدعوة في سبيل الله, فإنما هو يهدم الإسلام بمعوله، ويعادي الرسالة المحمدية، علم أم لم يعلم.
أسس ينبه عليها الآباء
ومن الأسس التي أريد التنبيه عليها للآباء كذلك:
جلساء الخير والرفقة الصالحين.
الله الله فيهم، وفي إبعاد أبنائنا من الرفقة السيئة، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].
ومن معالم الولاء والبراء كما ثبت في الأحاديث الصحيحة: {أن تحب العبد، لا تحبه إلا لله } {ورجلان اجتمعا في الله وافترقا عليه }.
فحـبب ابنك إلى الأخيـار، والعلماء، وطلبة العلم، والدعاة، والمصلحين، والأخيار الصالحين، فوالله لا يكسب منهم إلا نفعاً في الدنيا والآخرة.
أما المردة والفجرة وعصابة السوء والإجرام والإفساد, فهم والله الجناة على البشرية، والجناة على البلاد والعباد، ولا يكسب منهم إلا عاراً وشناراً ودماراً وناراً في الدنيا والآخرة.
يقول الشافعي :
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
متابعة الأبناء
أمِن المعقول - يا أيها الآباء الأخيار الأبرار - ألاَّ يُدْرَى عن الابن أين يذهب؟ ومع مَن يمشي؟ ومع مَن يلعب؟ ومع مَن يجلس؟ ومع مَن يسافر؟ أهذا من العقل ومن النُّبْل بمكان؟!
لا والله، هذا جهلٌ، وسفه في التربية، نترك أبناءنا هكذا شذر مذر، فيقعون في حمأة الرذيلة، فيُحبسون ويجلدون ويتردَّون، ويتعاطون المعاصي، ثم نقول: لقد كتب الله عليهم هذا! والله يهدي من يشاء ويُضِل!
وهذا صحيح؛ لكنها كلمة حق أريد بها باطل؛ أين سببك؟ أين كسبك؟ أين تربيتك؟ أين ملاحظتك وتوجيهك؟ لو حدث هذا ما حدث ذاك.
فأوصيكم ونفسي بهذه الأمور للأبناء؛ لأن لهم حقوقاً عليكم، كما أن لكم حقوقاً عليهم.
حينها تسعدون بهم، ويكونون في ميزان حسناتكم، ويكونون بررةً بكم، ويدعون لكم قبل الموت وبعد الموت، وتتشرفون بهم في الدنيا والآخرة.
أقر الله عيوننا وعيونكم بأبناء بررة، نجباء أخيار، وصرف الله عنا وعنكم السوء.
عباد الله! وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة, صلى الله عليه بها عشراً }.
اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
وارض اللهم عن الأصحاب الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين!
اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق, أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه.
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم تب عليهم، وأصلح بالهم، وكفر عنهم سيئاتهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك في كل مكان.
اللهم انصر المجاهدين في كل أرض من بلادك، يا رب العالمين!
اللهم أيدهم بروح منك، واكتب لهم النصر على عدوك وعدوهم، يا رب العالمين!
ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ عائض القرنى
موقع الشبكة الإسلامية